يشهد قطاع غزة في الآونة الأخيرة، انتعاشًا محدودًا في حركة الإنشاءات العقاريّة وبناء المشاريع الإسكانيّة عقب انخفاض تدريجي طرأ على أسعار معظم مواد البناء، بعد ارتفاعها خلال الفترة التي أعقبت الحرب الروسية الأوكرانية.
وارتفعت أسعار الحديد بغزة في شهر مارس/ آذار الماضي، لأكثر من 36%، بينما ارتفع سعر خلطة الأسفلت "البيتومين" لأكثر من 60%، والألمنيوم بنسبة 40%، والنحاس 35%، وغيرها من المعادن ومواد البناء، ما يجعل قطاع الإنشاءات الأكثر تضرراً من ارتفاع هذه الأسعار.
ورغم أن الانخفاض في أسعار الحديد يعد نسبياً في الفترة الحالية والذي يباع الطن الواحد منه بـ3700 شيكلاً، بعد أن وصل إبان الحرب الروسية الأوكرانية إلى 4400 شيكلاً، إلّا أن المواطنين يلجؤون لاستكمال مشاريعهم الإسكانية خوفاً من عودة الغلاء مرة أخرى.
شغف الانتظار
المواطن "محمود.ج" يقول إنه اضطر للبدء في بناء شقته السكنية، عقب الانخفاض في أسعار مواد البناء، بعد أن أزالها قبل حوالي 4 أشهر وما نتج عنها من غلاء في الأسعار.
ويضيف "محمود"، رغم أن الانخفاض يعد نسبياً، لكنه لجأ للبناء خوفاً من عودة ارتفاع الأسعار الباهظ كما السابق، مشيراً إلى تكلفة البناء في الوقت الحالي زادت عليه مبلغ 3000 دينار أردني.
حال المواطن "ماهر.ق"، لم يختلف كثيراً، والذي أرهقه ثمن استئجار منزل، عقب إزالة منزله قبل أشهر، وتأجيل المشروع بسبب ارتفاع الأسعار.
ويوضح "ماهر"، أنه قرر البدء في البناء، ليستفيد من توفير إيجار المنزل كدفعة شهرية لأقساط البناء، مردفًا: "أنتظر هذه الفرصة الذهبية منذ سنوات، والمتمثلة بانخفاض أسعار مواد البناء، لبناء منزله الجديد، وتجهيز شقة لتزويج ابنه".
انتعاش محدود
مدير شركة "الوادية هوم"، للاستثمار العقاري المهندس إسلام الوادية، يُشير إلى أن عدم الاستقرار في أسعار الحديد، وعدم انتظام الرواتب، والوضع السياسي كلها أسباب تؤثر بالسلب على مشاريع البناء في قطاع غزة.
ويتابع "الوادية"، أن أسعار المواد البناء في الفترة الحالية انخفضت ولكن بشكل نسبي، حيث تقدر نسبة الارتفاع عن سعرها الطبيعي 25%، ووصل سعر طن الحديد 3700 شيكل، في حين أن سعره الطبيعي أقل من 3000 شيكل.
ويستعرض الأسعار ما قبل الغلاء مشيرًا إلى أن سعر طن الأسمنت حالياً 520 شيكلاً بعد أن كان 420 شيكل فقط، والحصمة والرمل ارتفعا 200 شيكلاً، وطن الباطون الجاهز حالياً يصل سعره حاليًا 360 شيكلاً بعد أن كان 280 شيكل.
ويرى "الوادية" أن مشاريع تقسيط البناء تمر بوضع مأساوي، مستطردًا: "لكن الوضع المادي المتأزم في القطاع دفع بنا كمقاولين للبيع بأدنى الأسعار حتى نستطيع فقط جمع رأس المال بالحد الأدنى".
ويصف أوضاع العمال الفلسطينيين بـ "المأساوية جداً"، حيث بالكاد يتقاضى العامل يومياً 20 شيكلاً.
كلاهما مر
بدوره، يقول نقيب المقاولين بقطاع غزة علاء الأعرج، إن البعض لجأ لاستكمال مشاريعه بأقل الأضرار، حيث أن مدة المشاريع وتوقفها هي أيضاً تكاليف على المقاول من حيث الالتزام بالتأمينات، وأجور الموظفين والعمال، وكفالات بنكية، "بمعنى أنه يصبح هناك موازنة بين التوقف وتكلفة هذا التوقف".
ويؤكد "الأعرج" أن ارتفاع الأسعار يؤثر بشكلٍ سلبي على أوضاع العمال، ويؤدي لتباطؤ حركة الإعمار، وتوقف بعض المشاريع خاصة "الأهلية" التي تنظر إلى ارتفاع الكلفة بشكل أساسي، لافتًا إلى أن المقاولين مضطرون لاستكمال مشاريعهم حتى لو أدت للخسارة.
ويناشد المؤسسات والجهات المشغلة كافة، لأخذ هذه الارتفاعات الاستثنائية والصارخة بعين الاعتبار، مطالبًا "بتعديل بعض البنود في العقود الغير متوازنة لتؤسس إلى انفراجة في التعويض حسب العقد الفلسطيني الموحد، وقانون الشراء العام المقر من السلطة الفلسطينية".
وتنص هذه القوانين على التعويض على فروقات أسعار العملات، وتعويض متبادل على ارتفاع أو انخفاض أسعار إذا زادت بنسبة 3%، منوهًا إلى أن هذه النسبة تحققت فعلياً في الحرب الروسية الأوكرانية، حيث ارتفع الحديد بنسبة 36%، والاسمنت 18%.
ويدعو "الأعرج"، إلى معالجة الأمر بشكل وطني من الجهات صاحبة الاختصاص وإسناد قطاع المقاولين، لعدم انهيار منظومة الاقتصاد وتضاف أعداد كبيرة لجيش البطالة.
ويذكر أن الارتفاع بالبورصة العالمية في أسعار مواد البناء كان يقدر بنسبة 13-15%، ولكن تخوفات التجار في قطاع غزة من استمرار الارتفاع العالمي بوتيرة متسارعة أدى لرفع الأسعار بشكل زائد عن الحقيقي إلى 36%.
ويُسهب "الأعرج": "هذه الفجوة ممكن أن تتقلص بإرهاصات أن المشكلة العالمية في طريقها للحل"، لافتاً إلى دور روسيا وأوكرانيا الرئيسي في إمدادات مواد البناء للعالم.