تُبدي السلطات الجزائرية اهتماماً بالغاً بصفقة التطبيع الثلاثية بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، وتَعتبر ما يجري مقدّمة لوجود صهيوني على حدودها الغربية. وأسهمت هذه التطوّرات في ظهور الرئيس عبد المجيد تبون، الغائب منذ نحو شهرين بسبب المرض، وطمأنته الجزائريين إلى أن «بلادهم قوية».
و فجّر اتفاق التطبيع المغربي - الإسرائيلي غضباً جزائرياً عارماً، خصوصاً أن في تفاصيله استهدافاً واضحاً للجزائر، كما بدا بالنسبة إلى الأخيرة. فالمغرب لعب على أكثر الأوتار حساسية للجزائريين، لكونه أغرى الولايات المتحدة بالتطبيع مع إسرائيل في مقابل قبولها الاعتراف بسيادته على الصحراء الغربية، وهي المنطقة التي تدعم الجزائر خيار تمكين سكّانها من تقرير مصيرهم. ومن الواضح أن هذه التطوّرات الجديدة جعلت إسرائيل، التي يعاديها الجزائريون بقوة، ليست مجرّد دولة احتلال تقيم علاقات مع جارهم الغربي، بل شريكاً في قضية الصحراء الغربية، وهو أمر لا يمكن إزاءه بالنسبة إلى السلطات سوى توخّي أقصى درجات الحذر.
ويشير كلام الرئيس الجزائري بشأن توقّعاته لصفقة المغرب، إلى تصريحاته السابقة التي هاجم فيها بشدّة "هرولة البعض نحو التطبيع"، مؤكداً أن هذا المسار لا يمكن أن تمضي فيه الجزائر. وكان لتلك التصريحات أثر واضح على العلاقات مع دولة الإمارات، والتي أصابها البرود في الفترة الأخيرة، إذ ردّت أبو ظبي، التي دشّنت مسار التطبيع، على طريقتها، بفتح قنصلية في مدينة العيون في الصحراء الغربية التي تعتبرها الجزائر محتلّة، ثمّ سرعان ما تَبيّن أن الأمر يتعلّق بصفقة أكبر، ترعاها الولايات المتحدة، بإعلان دول أخرى عربية خطوات مشابهة، إلى أن انتهى الأمر بإعلان المغرب التطبيع مقابل اعتراف الدولة الأكبر في العالم بسيادته على الصحراء الغربية، وذلك في اكتمال لباقي تفاصيل مشهد التحالف الجديد.
اللافت أن البيان الرسمي للخارجية الجزائرية لم يُبدِ في مضمونه اكتراثاً كبيراً بإعلان الولايات المتحدة اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، تاركاً للسياسيين تصدّر المشهد، ما يوحي بأن الإشكال لا يكمن في قضية الصحراء الغربية فقط، بقدر ما يتّصل بدخول العنصر الإسرائيلي ومخابراته إلى هذه المنطقة التي ظلّت تعيش حالة من السكون سنوات طويلة. وفي ردّها على خطوة واشنطن، قالت الخارجية الجزائرية إن القرار الأميركي ليس له أي أثر قانوني، ويتعارض مع جميع قرارات الأمم المتحدة. وأضافت أن القرار المذكور يُقوّض كلّ جهود خفض التصعيد المبذولة حتى الآن، مشيرة إلى أن "موقف الجزائر يستند إلى الشرعية الأممية وضدّ منطق القوة والصفقات المشبوهة".
وفي موقف الأحزاب الكبيرة الموالية للسلطة، وحتى المعارِضة لها، يظهر حجم الغضب الجزائري، باعتبار الخطوة المغربية محاولة للاستقواء بإسرائيل، في تخلٍّ من هذا البلد "الشقيق" عن "شرف الخصومة". ووصف حزب "جبهة التحرير الوطني"، الذي يسيطر على البرلمان، اتفاق التطبيع بـ"صفقة الذل والعار وبيع شرف الأمة في يوم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، في الوقت الذي "يرزح فيه الشعبان الفلسطيني والصحراوي تحت نير الاحتلال والقمع والدوس على حقوق الإنسان". أما "التجمّع الوطني الديموقراطي"، ثاني الأحزاب الموالية، فاعتبر أنه "لا يمكن لهذه الصفقة غير الشرعية أن تُغيّر من الوضعية القانونية والتاريخية للصحراء الغربية، التي هي ملك لسكّان الصحراء الغربية دون غيرهم".