التقى العاهل الأردني عبد الله الثاني، أمس الأربعاء، بنظيره البحريني حمد بن عيسى، ووليّ العهد الإماراتي محمد بن زايد، في اجتماع دعا إليه الأخير في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، وحسب البيان الصادر عن القمة الثلاثية فقد تناولت «التطورات الإقليمية والدولية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية».
اجتماع أي قادة عرب، غير مستبعد سياسيا، ولا يختلف الأمر مع قادة الأردن والإمارات والبحرين بالتأكيد، غير أن سياق الاجتماع، فيما تقوم أبو ظبي والمنامة بخطوات محمومة نحو كافة أشكال التطبيع مع إسرائيل، يحتاج تأنيا لفهم أبعاده، فخطوات العاصمتين المذكورتين تؤثر بشكل كبير على الأردن والأردنيين، سواء فيما يتعلق بالمعادلات الداخلية أو ما يتعلّق بالعلاقة الخاصة التي تربط سلطات الأردن بالأراضي الفلسطينية المحتلة، والمقدسات الإسلامية فيها، مرورا بقضيّة حصار قطر والعلاقات مع تركيا، وانتهاء بالتداعيات الاقتصادية الأخرى الممكنة لفتح خطوط مالية وسياحية بين تل أبيب وأبو ظبي والمنامة.
من المعلوم طبعا أن السلطات الأردنية تعرّضت لضغوط كبيرة بخصوص مواقفها السياسية المعروفة، وأنها كانت دائما تضطر لتوازنات حرجة بين مصالحها السياسية، وتركيبتها السكانية، وعلاقاتها بدول الخليج، وقد تعرّضت هذه التوازنات الدقيقة إلى ضغط داخليّ كبير بعد الاندفاعة الإماراتية والبحرينية نحو إسرائيل، وكان لافتا اضطرار العاهل الأردني للتعامل بشكل شخصي مع تلميحات ناقدة بشكل حاد لسياسات أبو ظبي، ولمحمد بن زايد شخصيا، من قبل أفراد من العائلة المالكة، فاضطر الأمير علي بن الحسين إلى حذف تغريدة شارك فيها مقالة تتخللها صورة لجماهير تدوس صورة بن زايد، لكنه أتبعها بتعليق ساخر على صورة تظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على شرفة البيت الأبيض، يلوحان مع وزيري خارجية الإمارات عبد الله بن زايد، والبحرين عبد اللطيف الزياني بعد التوقيع على «اتفاق أبراهام» للتطبيع مع إسرائيل.
تزامنت موجة التطبيع المسعورة هذه مع أوضاع أردنية صعبة، زاد حدتها انتشار وباء كورونا، والواضح أن الضائقة الاقتصادية والمالية لعمّان ساهمت في مضاعفة أثر الضغوط الأمريكية ـ الإسرائيلية، وضغوط دول الحصار، من السعودية، الجارة الكبرى للأردن، ومن الإمارات التي ازدادت شراسة وتطلبا، ولابد أن هذه التوازنات الجديدة ساهمت في استقالة وزارة عمر الرزاز، وفي تعيين رئيس الوزراء الجديد هاني الخصاونة، وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أنتجت سطوة عشائرية أكبر، ووجود أقل للإخوان المسلمين والنساء.
لكل هذه الأسباب، تعكس القمة الثلاثية، بضمها الأردن إلى الإمارات والبحرين، شكلا إضافيا من الضغط، وإقرارا بأن ظروف الأردن الحالية لا تسمح له بأريحية كبيرة في خياراته الداخلية والإقليمية، وأن تغيّر الحكومة والبرلمان هما وجهان لهذا الظروف الضاغطة أكثر مما هما تعبيرا عما يرغب فيه الأردن، كمؤسسة حاكمة وكشعب.
بهذا المعنى يبدو محقا الكلام عن أن القمة تناولت «التطورات الإقليمية والدولية» لكن الحديث عن «القضية الفلسطينية» يبدو مناقضا لمعناه، فيما أبو ظبي والمنامة تحاولان ما وسعهما دفن هذه القضية تحت دخان الطائرات، وتبادل السفارات، ومطالب صلاة نتنياهو وبن زايد في المسجد الأقصى، وإهداء الرئيس الإسرائيلي «تفسير القرآن» و«سيرة الرسول» لوزير خارجية البحرين!