خالد صادق
لا تكاد تفارق الابتسامة وجهه البشوش, هاديء بطبعه قليل الكلام, يرافق الصمت .. والصمت يرافقه, تشعر ان في هدوئه وسكينته ثورة وبراكين غضب تكاد تنفجر في وجه الاحتلال الصهيوني, وصمته يزلزل أركان الكيان الصهيوني الذي استخدم كل وسائله الممكنة للنيل منه وتسكين ثورته دون ان يصل لأية نتيجة, هكذا كان عماد العلمي أبو همام القائد والقدوة, التصق بقضيته الفلسطينية وحملها معه أينما حل وارتحل, فكان خير سفير لبلاده وخير من يحمل همها ويدافع عنها ويتبنى قضاياها بفكر واع ومستنير, كان يدور حيث تدور فلسطين ويدرك انه يحمل على عاتقه هم أقدس وأنبل قضية عرفها العالم, وأنها تستحق منه كل هذه التضحيات وأكثر, حتى بات رحمه الله هدفا للاحتلال الصهيوني وفي مرمى نيرانه يلاحقه أينما كان ويستهدفه.
رحل العلمي بعد ثلاثة أسابيع من إصابته بعيار ناري في رأسه خرج من مسدسه خطأ وهو ينظف سلاحه الشخصي, لقد نعاه الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه وفصائله, ولخص حياته بكلمات بسيطة لكنها عميقة في معناها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية فقال: « لقد كان العلمي مهندسا لحماس في الفكر السياسي والعسكري والأمني والعمل النقابي والمؤسساتي وفي الداخل والخارج، كما كان سياسيا بامتياز» فأي وصف يمكن ان يضيف إليه بعد ذلك؟ لقد عانى رحمه الله في غياهب السجون الصهيونية, وعانى من الإبعاد القسري عن وطنه, وعانى من محاولات استهدافه وقتله على يد المجرمين الصهاينة, حتى بترت إحدى قدميه, ورغم ذلك بقى على العهد, يقوم بواجبه الوطني على أكمل وجه تجاه شعبه وقضيته, ويصر على المضي في طريق ذات الشوكة, طريق الجهاد والمقاومة حتى النصر والتحرير, ودون ذلك الأرواح والنفس وكل غال وثمين.
نعم رحل العلمي كما رحل الياسين والرنتيسي والعياش وصلاح شحادة ونزار ريان وإسماعيل أبو شنب وسعيد صيام ومازن فقها, وغيرهم الكثير الكثير من قادة حركة حماس وقيادات الشعب الفلسطيني, لكن سيخلف القائد ألف قائد, وسيخلف الشهيد ألف شهيد, ولن يتوقف شعبنا عن البذل العطاء, وسيتواصل ركب الشهداء.
ان دماء الشهداء الطاهرة, ودماء أبي همام رحمه الله ستبقى دين في رقابنا, فهي تحملنا أمانة الصمود والرباط والتحدي والعطاء والمقاومة حتى يكتب الله لنا النصر, فكل شهيد من شعبنا يسقط فوق تراب أرضنا يزيدنا قوة وثباتا وقدرة اكبر على التضحيات, ومخطئ من يظن أننا سنتساوق مع مخططاتهم ومؤامراتهم التي تحاك ضد فلسطين وقضيتها, أو سنتراجع عن طريقنا طريق الجهاد والمقاومة قيد أنملة, فنحن لا نقيسها بالماديات والقوة العسكرية, لأننا أصحاب حق ولن يستطيع احد ان يقف في وجه الحق لأنه أقوى من أي سلاح مادي, أقوى من جيوش وترسانات عسكرية, «بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق», السنا نحن على الحق وهم على الباطل؟ إذا فنحن على يقين بحتمية النصر والتمكين فهذا وعد رباني, والله لا يخلف الميعاد.
لقد تحققت أمنيتك أبا همام بعد ان أبعدوك عن وطنك, بأن تحظى بشرف الرباط على أرضك, وتدفن في ثراها, وقد قمت بواجبك الوطني تجاه شعبك وقضيتك على خير ما يكون, والتحقت بركب الشهداء الأبرار وأنت محاصر في غزة, تعاني مما يعانيه أبناء شعبك, بعد ان تركت كل الساحات العربية والإسلامية لتحظى بشرف الرباط على ارض فلسطين, وكما نعاه الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الدكتور رمضان عبدالله شلح فقد كان رحمه الله في حياته « نموذجاً في العمل الدؤوب لخدمة دينه وقضيته، وكان باراً بفلسطين وشعبها وقاوم الاحتلال دفاعاً عن الأرض والمقدسات» مؤكدا أن المصاب بفقد القائد أبي همام هو مصاب واحد ، إذ فقدنا وفقدت فلسطين رجلا من رجالها الصادقين والأوفياء ، وأحد أعمدة الحركة الوطنية والإسلامية), كما نعته رحمه الله كل فصائل العمل الوطني وخرجت جماهير غفيرة من شعبنا في موكب التشييع, لتؤكد انها تنسب الفضل لأهل الفضل, وان العطاء والتضحيات الجسام يقابلها شعبنا بالوفاء والثبات على العهد وحماية القادة الذين يحملون هموم الشعب ويتبنون قضاياه, رحم الله الشهيد القائد عماد العلمي أبا همام واسكنه فسيح جناته, وقدرنا الله عز وجل على حمل الأمانة والسير على خطا القادة العظام, حتى تكتمل الرسالة التي سطرت بالدماء وعظيم التضحيات, فنم قرير العين ابا همام ونحن سنواصل المسير إلى ان يتحقق النصر المبين بإذن الله عز وجل.